فلسطين أون لاين

​معصرة "بزاريا" للزيتون.. رحى الحجارة تقاوم الحضارة

...
نابلس - خاص "فلسطين"

رغم انتشار معاصر الزيتون المتطورة والمتقدمة في أغلب المدن والقرى ومنها نابلس، ما زالت معصرة بلدة بزاريا القديمة إلى الشمال الغربي من نابلس، قبلة كثير من المزارعين الذين يقصدونها بحثًا عن الجودة والمذاق الأصيل.

ويتحمل المزارعون الانتظار لساعات أطول مقارنة مع انتظار غيرهم في المعاصر الحديثة، لأنهم يدركون أن هذا الانتظار في المعصرة التقليدية سيجلب لهم إنتاجًا من الزيت ذا جودة عالية وطعم ولون مميزين لكون العملية تتم بطريقة بدائية تحافظ على المنتج بعيدًا عن وسائل التأثير الحديثة.

وتعود ملكية معصرة بزاريا القديمة إلى مجموعة من المزارعين الذين أنشؤوها في مطلع السبعينات من القرن الماضي، لتكون واحدة من أوائل معاصر الزيتون في ذلك الوقت في المنطقة، ولتصبح بديلًا لجميع المزارعين في المنقطة الشمالية والغربية؛ لأنها تريحهم من جهد السفر إلى مدينة نابلس أو غيرها من المدن لعصر الزيتون.

وبحسب المزارع نافع دغلس، فإن المعصرة تقوم على طحن وعصر الزيتون بواسطة رحى حجرين كبيرين ذوَيْ شكل أسطواني، والتي تستمر بالدوران فوق حب الزيتون إلى أن يتم عصره بشكل جيد قبل أن ينتقل إلى المراحل الأخرى.

وإلى جانب خط الإنتاج الأول "الطاحونة" عمد المزارعون إلى افتتاح قسم آخر في المعصرة يلبي احتياجات المزارع ويسمى الجاروشة، حيث يعدّ الأسلوبان من الأساليب القديمة في عصر الزيتون، في حين أن المعصرة لا يوجد فيها أي شكل من المعاصر الأوتوماتيكية.

وتتوسط المعصرة بلدتي بزاريا وبرقة إذ تكاد منازل البلدتين تتداخلان نظرا لقربها الكبير، الأمر الذي يجعلها ملاذًا لعصر الزيتون لنحو 8 آلاف نسمة من القريتين على الأقل.

ويبرر المزارع سالم جاد الله لجوءه إلى المعصرة القديمة لكونها تحافظ على الإنتاج ولون وطعم الزيت على عكس المعاصر الحديثة التي تستخدم بعض المواد التي تفقد الإنتاج مذاقه بعد أيام قليلة من عصره.

وتابع: "علاوة على جودة الإنتاج فقد باتت تلك المعصرة مظهرًا من مظاهر الإرث الذي ورثناه عن الأجداد والآباء، وأثبتت جدارتها في المحافظة على جودة الزيت، حيث تستمر حرقة الزيت لعدة أسابيع ولونه الأصفر المائل إلى الخضرة وكذا الرائحة القوية".

وعن أحد أسرار محافظة هذه المعصرة على مكانتها، قال: "يتم العصر بطريقة تقليدية وطبيعية جدًا دون استخدام الحرارة أو الماء الساخن، لذلك تكون نكهة الزيت وجودته أفضل".

ويفسر المهندس الزراعي سلامة شبيب، أحد مالكي المعصرة سرَّ استمرار إقبال المواطنين على المعصرة، بالقول: "أكثر ما يميز إنتاج الزيت هو اللون الأخضر الذي تحافظ عليه المعصرة التقليدية والجاروشة حيث يبقى الزيت محافظًا على لونه لعدة أيام قبل أن يتحول إلى الأصفر". في نهاية المطاف، قال شبيب: "ما يميز المعصرة الحديثة عن القديمة هو الاختصار في الوقت والجهد ولكن فعليًّا كما ذكرنا، فإن المعصرة القديمة تحافظ على الجودة أفضل من غيرها من الأنواع الحديثة".

وبعد عملية الطحن والعصر الأولي، يقول شبيب: "يكاد يتشابه باقي خطوات إتمام عصر الزيتون مع المعاصر الحديثة، فلم يتبقَّ بعد ذلك إلا الخطوات الشكليَّة الأخرى المتعلقة بإنتاج بقايا حب الزيتون وآلية التعبئة والفرز".

وتصارع معصرة بزاريا وتنافس قريناتها من المعاصر الحديثة وتقاوم رحى الحجارة فيها محاولات تغييبها أمام النقلة الكبيرة في تطور الوسائل التكنولوجية وانتشار المعاصر الحديثة التي يقصدها عدد لا يستهان به من المزارعين ولا سيما أولئك الذين ينتجون الزيتون لأغراض تجارية لا استهلاكية شخصية.