الرحى.. طاحونة الماضي تسحقها الحداثة

يعتبر الرحى من الأدوات المنزلية القديمة التي عرفها الناس حتى وقت قريب، فهو الطاحون الوحيد الذي يحرص الكثير على اقتنائه لاستخدامه في طحن الحبوب. وعرف في تراثنا منذ فترة طويلة باعتباره من الأدوات المهمة لدى الأسر، وكان الرحى في السابق يقوم بعمل مكائن طحن الدقيق في وقتنا الحاضر، وكان يوجد بكل بيت، وأحيانا في كل حارة واحد يستخدمه سكانها من النساء، باعتبار طحن الحبوب من مهماتهن الأساسية، كما كان يستخدمه الرجال أيضا في بعض أعمال الطحن الشاقة.
يقول سالم الطلحي أحد كبار السن، الذين استخدموا الرحى: إنه أداة حجرية تستخدم لطحن الحبوب من قمح أو دخن أو ذرة أو شعير وهي قطعتين دائريتين من الحجر احدهما تكون أسمك من الأخرى وهي القاعدة، ويوضع بوسطها عمود من الخشب يركب بمهارة بعد حفر مكان له، والقطعة الأخرى تكون أيضا أسطوانية وبقطر نفس قطر القاعدة ولكن بوسطها فتحه داريه الشكل تسمح للعمود الخشبي المركب بالقاعدة بالدخول مع زيادة في الفتحة بحيث تنطبق الأسطوانتين الحجريتين على بعضهما وتحرك الأسطوانة العليا بيد جانبيه لها من الخشب أيضا وتكون حركتها دائرية ومحورها يكون العمود الخشبي المثبت على القاعدة وأثناء الدوران يوضع الحب المراد طحنه من خلال الفتحة الدائرية التي بوسط الأسطوانة العليا بحيث يتسرب الحب بين الأسطوانتين الحجريتين وينطحن أثناء ذلك، ومن المفترض أن تكون أسطح الأسطوانات متساوية وملساء خاصة الجهتين المتطابقتين اللتين يمر الحب من بينهما لكي يكون طحنه ناعما.
ويضيف: طحن الحبوب عمل يقوم به الرجل والمرأة، وهو عمل شبه يومي حيث نقوم بوضع جلد خروف تحت الرحى ويسمى "رقعة"، وهي كلمة عربية صحيحة وتستقبل تلك الرقعة الإنتاج سواء كان دقيقا أو أي حبوب ثم يوضع إلى جانبها وعاء مصنوع من السعف ويسمى "طبق" وبه كمية الحبوب المراد طحنها.. بعد ذلك يجلس أمام الرحى ويثني إحدى رجليه ويمد الثانية وذلك الوضع يمكن القائم على الطحن من التمركز بقوة والسيطرة التامة أثناء قيامه ببذل الجهد لتحريك تلك القطعة الصخرية.
ويقوم الرجل او المرأة بتحريك الجزء العلوي بحركة دائرية ممسكة بقطعة خشبية مثبته بمحيط الجزء العلوي وتسمى تلك القطعة بالهادي وعند بداية الدوران يقوم من يطحن الحب سواء كان رجل او امرأة بتلقيم الحبوب عبر الفتحة فإذا أراد دقيقا كانت حركة الرحى بطيئة، حيث يتسنى للرحى طحنها جيدا وإذا أراد خشننا أسرعت في لقم الحبوب في الرحى فتكون الحبوب كثيرة، وتتزاحم داخل الرحى ويؤدي تزاحم الحبوب إلى ارتفاع نسبي للجزء العلوي فلا يتم طحن الحبوب جيدا فتخرج من الرحى بفعل الدوران مكسورة فقط وهي ما تسمى بالخشنة.
عن مكونات الرحى تحدث العم علي العلياني أحد كبار السن الذين عاصروا واستخدموا الرحى بقوله: إن حجري الرحى مستديران بقطر نحو 50 سم يكون السفليّ منهما ثابتًا غير متحرك وبه ثقب ضيّق واحد في وسطه يسمح بمرور محور خشبيّ أو معدنيّ يُثبّت في وسطه ويسمى "قُطْب الرحى"، أما العلوي فهو الجزء المتحرك والذي يؤدي دورانه إلى طحن الحبوب وجرشها، وبه ثقب كبير نسبيًا في وسطه يسمح بدخول الحبوب، وثقب صغير آخر في طرفه يوضع فيه المقبض الخشبي الذي نحرك به حجر الرَّحَى وتسمى "الفراشة"، وهي قطعة خشبية مستطيلة كفراشة المغزل بها ثقب في وسطها تستعمل لمسك المحور الخشبي أو الحديدي وتثبيته حتى لا يتزحزح، وتُثبّت الفراشة في فتحة الحجر العلويّ من الرَّحَى.. "الهادي" وهي خشبة على شكل عصا صغيرة تُحدَّد وتُدخل وتُثبّت في الثقب الجانبي لتكون المقبض الذي نُدير به حجر الرحى العلويّ، وأحيانًا يُلّف عليها قطعة من القماش حتى لا تؤذي اليد باحتكاكها.. و"القُطْـب" هو المحور الخشبي أو المعدني الذي تدور حوله الرَّحَى، والبعض يسميها "قُلْب الرّحى".. و"اللهوة" وهي الحفنة الصغيرة من الحبوب التي توضع في داخل ثقب الرحى لطحنها وتسمّى "لُهْوة حَبّ"، ويقال: لهوة كبيرة أو صغيرة، واللهوة أقل من الحفنة فملء اليد بالحبوب يسمى حفنة، أما أللهوة فهي نصف الحفنة تقريبًا. وكذلك "الثقال" هو عبارة عن قطعة منسوجة من صوف الغنم وشعر الماعز، تُبْسط تحت الرحى ليسقط عليها الدقيق المجروش، ويمكن التحكم بدرجة نعومة الحبوب بما يناسب الاكله الشعبية التي تصنع منها كالهريسة أوالعصيدة أو الخبيصة.