تعد معاصر الزيتون «برزقال» بولاية تبسة، شاهدا ماديا حيا، على المستوى المتطور الذي بلغته الزراعة بهذه المنطقة، فقد ذكرت المصادر التاريخية، أن هذه المعاصر، كانت الممون الرئيس لروما بمادة الزيت، و عدة مواد فلاحية أخرى، غير أن تلك المكانة تلاشت، مع تعاقب القرون، بعد سقوطها بين فكي العوامل الطبيعية، و لا مبالاة الإنسان.
و نظرا للقيمة التاريخية لهذا المعلم التاريخي، المصنف ضمن التراث الوطني المحمي، التي بادرت السلطات المعنية، بتجسيد عدد من العمليات، لحماية هذه الفضاء، و إعادة الروح له، و وضعه مستقبلا في المسار السياحي بالولاية، على غرار تنظيم حملة لغرس أشجار الزيتون بمحيطه، و تحديد مداخله و تسييجه، وحراسته.
معلم تاريخي نادر مصنف ضمن التراث المحمي..
الراغب في اكتشاف برزقال، عليه أن يقطع مسافة 35 كلم، إلى الجنوب الشرقي من مدينة تبسة، للوصول إلى هذا الموقع الأثري، المصنف ضمن التراث الوطني المحمي، و حسب مدير دائرة الممتلكات الثقافية المحمية لولاية تبسة، مجدي عز الدين، فإن معاصر برزقال، أو برزقان، من المعالم التاريخية النادرة بالجزائر، و تعود إلى سنة 69 ميلادية، فترة الرخاء والإنتاج الوفير للزيتون، حيث عرفت تلك الحقبة، انتشار كبيرا للمعاصر بالمنطقة، قدرها المؤرخون بأزيد من 200 معصرة، موزعة على طول الطريق، الرابط بين تبسة و نقرين.
كانت هذه المعاصر، تنتج الزيت و تصدره نحو أوروبا، و حسب المراجع التاريخية، فإن هذه المعاصر شيدت في عهد الإمبراطور ترجان، وصارت جزءا من أملاك العائلة المالكة، و تضم معصرة برزقال، 04 أقسام و03 طوابق، بكل منها 06 معاصر، كما تتميز بالأقواس المتتالية، و المشيدة بالحجارة الكبيرة المنحوتة، مع إحاطتها بمساحات زراعية معتبرة، وبالأخص أشجار الزيتون، التي لا تزال شواهدها حاضرة بالمنطقة.
و أكدت الدراسات ملاءمة التربة، لهذا النوع من الأشجار، فأنشئت بها أكبر المعاصر في شمال إفريقيا،  و شيدت معصرة برزقال، على مساحة تفوق 1.6 هكتار، في منطقة برزقال، التي كانت معروفة إبان الفترة النوميدية، بغراسة أشجار الزيتون.
و شيدت المعصرة الشهيرة خلال الفترة الرومانية، وكان إنتاجها يتراوح بين، 15 و20 ألف لتر من زيت الزيتون يوميا، ويتم تصديره إلى روما، غير أن هذا الصرح ظل     يعاني من لامبالاة الإنسان، وكذا قسوة الطبيعة، فتأثرت أقواسه، و أعمدته في العديد من المرات، خاصة بعد اكتشافه إبان فترة الاحتلال الفرنسي.
و تهاوت بعض أقواس هذا الصرح و أعمدته الكبيرة، سنة 2007 عقب اجتياح رياح قوية للجهة، وهو ما أثر سلبا، على المنظر العام لهذه المعاصر، كما أنه يفتقر إلى سياج واق من عبث الإنسان، على وجه الخصوص، فكان الدخول إليه لا يتطلب تذكرة، و الوقوف على أطلاله لا يحتاج للكثير من التأمل و الخيال و الشعر، و يجزم زواره أنه لم يكن محميا في السابق بطريقة تقنية.
غرس 300 شجرة زيتون بمحيط الموقع و تسييجه

عمدت إدارة الديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، إلى القيام بجملة من العمليات، من أجل المحافظة على هذا الموقع، وفي مقدمة ذلك، إعادة تسييجه و بناء دار للحراسة، مع وضع ثلاثة أبواب من كل الجهات، كمداخل للموقع الأثري، بالإضافة إلى إعادة طلاء الأعمدة المثبت عليها السياج، و إعادة تأهيل مركز الحراسة، و الباب الرئيس، وصيانة المداخل.
كما برمجت حملة تشجير كبيرة، لفائدة هذا المعلم، تم على إثرها غرس 300 شجرة زيتون بمحيطه، وجاءت هذه المبادرات، متماشية مع مخرجات زيارة وزيرة الثقافة سابقا للموقع، أين شددت على ضرورة حمايته بسياج، لخصوصيته و أهميته، كأحد أكبر المعاصر في الجزائر.
إعداد مخطط لإعادة ترميم الموقع
سيشرع في إعادة تركيب الأحجار الأثرية، لترميم أحد أقواس الموقع، التي سقطت سنة2007، إثر انهيار جزئي، بمشاركة مختصين من الوزارة الوصية، و المديرية الولائية للثقافة، و الفرع المحلي للديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية.
لتجسيد ذلك، كلف فريق تقني من الديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، بإعداد بطاقة تقنية عن هذا الموقع، و إعادة تصور شكله الحالي، و رسم صورته الختامية، بعد إعادة ترميمه و تأهيله و إعادة الاعتبار له، و تقديمها لمصالح المديرية العامة للديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، قصد عرضها أمام الوزارة الوصية، وفي حال تمت الموافقة على ذلك، و المصادقة على هذه الدراسة، سيتم تخصيص الغلاف المالي المطلوب، على أن تنطلق أشغال إعادة الاعتبار للموقع لاحقا، و في رزنامة المسؤولين، عملية مشتركة بين الديوان الوطني، لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، و بلدية الماء الأبيض، لإنارة هذا الموقع بطريقة تقنية،  تتماشى و الطبيعة الأركولوجية للموقع.
و يأمل القائمون على القطاع، إعادة الاعتبار للطريق الثانوي، المؤدي إلى المعصرة، انطلاقا من الطريق الوطني رقم 16، على مسافة 01 كلم، و ذلك لتسهيل الوصول إليه، و في سياق متصل، يقوم الديوان بمتابعة عملية الصيانة الوقائية للموقع الأثري و القصر القديم بتبسة، كما برمجت عدة حملات لنظافة محيط السور البيزنطي بأبوابه الأربعة، مع معاينة السور بعد عملية صيانته .
المعاصر ضمن المخطط السياحي للولاية

مدير الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بتبسة، أكد أن هذه المعاصر كانت محل زيارات رسمية لعدة وفود، و وضعت ضمن المخطط السياحي للولاية، وظلت محل زيارات ترشيدية، من طرف الطلبة و الباحثين و المهتمين، على غرار طلبة التكوين المهني و التمهين، الذين يتلقون دروسا في فن العمارة القديمة، و ذلك بعد تفعيل الاتفاقية الثنائية المبرمة بين الديوان والمعهد المتخصص بن طوبا سليمان بتبسة، المتخصص في صيانة وحفظ المعالم الأثرية.
و أوضح المتحدث أن تلك الزيارات كانت مؤطرة، من طرف مختصين في دائرة الممتلكات الثقافية المحمية، و أصبح الدخول إلى الموقع بتذاكر مصادق عليها، من طرف المديرية العامة للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، وهناك مخطط أمني معتمد ومصادق عليه، من طرف المصالح الأمنية، يتضمن كل الآليات، والوسائل لتأمين المتاحف والمواقع الأثرية لولاية تبسة، مع وضع مخطط للتدخلات و الإسعافات، يوضح التدابير اللازمة في حال حدوث أي طارئ.
للتذكير تتوفر ولاية تبسة على قرابة 40 بالمئة من الآثار الرومانية الموجودة بالجزائر، وهي بشواهدها ترفض الاندثار وتؤكد عراقة هذه المناطق، من بين الآثار باب كراكلا المشيد عام 211 و212 م، و السور البيزنطي المشيد عام 535 م، و المسرح المدرج الذي شيده الرومان بالمنطقة، في عهد القنصل الخامس، الإمبراطور فسباسيانوس سنة 75 ميلادي، حيث كان يستعمل هذا المدرج كملعب، أو مسرح، وأحيانا كحلبة لألعاب المصارعة، بين الفرسان و أسرى الحروب، أو مع الحيوانات المفترسة، ناهيك عن الكنيسة الرومانية، التي تعود تسميتها للقديسة كريسبين آنذاك، و آثار تعود إلى ماقبل التاريخ.
وكذا فترة الفتوحات الإسلامية و ما بعدها، و تشييد المسجد العتيق من طرف العثمانيين عام 1842، كما تزخر ولاية تبسة بنفائس الحضارة العاترية وحقب ما قبل التاريخ.
الجموعي ساكر

الرجوع إلى الأعلى