خاص بآفاق البيئة والتنمية
"في أعوام 2012-2015 تقدر خسارتنا السنوية من الزيت الذي دخل الجفت 50 مليون شيقل وهو زيت مهدور، وأسباب ذلك لها علاقة بالمعاصر والمزارع وكل عناصر الإنتاج... المشكلة بفهمنا الشامل للزيتون" يقول مدير عام مجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض.
يرى فياض أن مشكلة الفاقد في الزيت تكمن في المعاصر وبالثقافة العامة التي يتعامل بها شعبنا مع مراحل قطف وعصر وتخزين الزيتون، بينما زاد الخبير الفني في المعاصر خالد جنيدي بأن اعتبر معاصر الزيتون "مقبرة" للزيت الفلسطيني.
فائض في المعاصر
صاحب معصرة الشريف في جنين فخري جمال يقول أنه أنشأ المعصرة مع اخوته في عام 2007، وهي معصرة من بين 300 معصرة في فلسطين.
وعند سؤاله عن وضع المعصرة قال أن العمل قليل والموسم ليس جيداً كفاية، فالانتاج ليس كما يجب، وبالتالي لم تدر له المعصرة الربح المتوقع، مضيفاً أن المعصرة مكلفة وقلّة الانتاج للزيتون لا تعوض هذه التكاليف في وقت قصير كما يتوقع البعض.
وعن توفر مهندس متخصص في معصرته، قال أن خبرته واخوته هي أعلى من خبرة المهندس، وأنه يمتلك المعرفة بعد سنوات من العمل بما يفوق خبرة مهندس متخصص.
وأشار إلى امتلاكه عوامل السلامة في معصرته، وقال أن لديه حفرة خاصة مغلقة للزيبار، وأن معصرته تقع على الشارع الرئيسي وهي ليست قريبة تماماً من البيوت.
وعند مقارنة عدد المعاصر في فلسطين معها في الأردن فينبغي الاشارة الى أن مساحة الأرض المزروعة بالزيتون في فلسطين نصف مساحة الأرض المزروعة بالزيتون في الأردن، ومع ذلك لدينا 300 معصرة، بينما في الأردن لديهم 160 معصرة فقط، يقول فياضأيضاً بأن لدى الأردن تشديدٌ شامل على فتح المعاصر، بينما لدينا فوضى عارمة بهذا المجال، فمن يمتلك الأموال اللازمة خلال 24 ساعة، يمكنه فتح معصرة دون إذن أو تسجيل أو ترخيص، فهناك عدد كبير من المعاصر غير المسجلة وغير المرخصة.
أما توزيع هذه المعاصر فهو كالتالي كما أوضح فياض، في جنين 69 معصرة، ونابلس 47، طولكرم 37 معصرة، سلفيت 25 معصرة، رام الله 33، بيت لحم هي الاقل لكن كمية الزيت فيها تناسب عدد المعاصر، وعددها 9، محافظة القدس فيها 3 معاصر رغم أن الانتاجية للمعاصر بكاملها هي اقل من اصغر قرية من قرى الزيتون في بعض المحافظات الزيتونية.
يقول فياض: "لم يحدث ضغط على المعاصر، وما يهم المواطن العادي هو الحصول على كمية زيت جيدة، وفي ظل غياب التنظيم والتنسيق أنهى الكثير من المزارعين العصر وليس القطاف قبل الـ 15 من أكتوبر".
ويوضح الخبير الفني في المعاصر خالد جنيدي أن معظم هذه المعاصر أوتوماتيكية، والقديم لم يتبقَ إلا القليل منه.
ويرى جنيدي أن المبالغة في عدد المعاصر هي ظاهرة إيجابية وسلبية، فهي من جهة فرصة للمزارع ليكون زيته من الشجر للحجر، وبالتالي يتم القضاء على حجة وجود تأخير وانتظار في المعصرة لعصر زيتونه، حيث ترتفع درجة الحموضة ويتضرر الزيت. ومن جهة أخرى، يضيف، بأن هذا الانتشار الكبير للمعاصر هدر للمال العام، فهذا العدد الهائل مبالغ فيه".
"الزيت الذي ترتفع حموضته بدرجة "5" هو زيت لا يصبح فقط "غير صالح للاستهلاك"، إنما هو سم وان كان يصلح لشيء فهو يصلح لصناعة الصابون". يؤكد جنيدي
في المعصرة يكرم الزيت أو يهان
ويعتبر فياض أن المعصرة هي المكان الذي يكرم الزيت فيه أو يهان، فإذا كانت هناك معصرة حديثة وكل ما فيها كامل مئة بالمئة، ولكن الانسان العامل فيها غير فني فهنا المشكلة، بينما إن كان هناك معصرة أداؤها 50% وفيها فني جيد فانجازها يكون مثل الأولى، لذلك يكون الاعتماد على المعصرة والنوعية الجيدة والفني المختص.
ويضيف فياض أن جزءاً كبيراً من المعاصر في فلسطين من عهد السبعينات والثمانينات، بمعنى ان عمرها بين الـ30-40 عاما.
"نعرف أن الخبراء على مستوى العالم يقولون أن عمر التوربين الافتراضي هو 20 سنة، ولكن اذا كان مركبا في تونس على سبيل المثال والتي يبدأ فيها موسم الزيتون بشهر 11 وينتهي بشهر 4 فإن الوضع يختلف لدينا كون موسم الزيتون يصل من 20-25 يوما، ويمكن أن يكون التوربين لدينا والذي عمره 20 سنة أفضل من التوربين في تونس والذي عمره 7 سنوات نتيجة قلة الاستخدام، لذلك كأشخاص غير فنيين لا نستطيع أن نحكم على مدى فاعلية التوربينات" يقول فياض.
وأشار فياض إلى مشكلة أخرى تتعلق بالتوربين، فالتوربين قدرته يمكن أن تكون 750 كغم أو طن، ولدينا توربينات حديثة قدرتها 5 طن، وتوربين قديم قدرته 1 طن ويتم وضع طن و100 كغم في داخله، ولا يمكن بأي حال أن يشتغل بشكل جيد، لذلك يخرج بعض من الزيت في الزيبار.
زيت زيتون فلسطيني بجودة عالية
مفاصل تميز المعاصر
يقول الخبير جنيدي أن صاحب الزيتون لا يعرف حقه في المعصرة، لأنه يدفع أجرة غالية ومن حقه معرفة ما له مقابل دفعِ ما عليه.
ويوضح: " المعصرة في أحيانٍ كثيرة هي (مقتل للزيت)، فهي مصنع متكامل فيها 5 مفاصل رئيسية، المفصل الأول دخول التراكتور أو السيارة إلى المعصرة ونفخ دخان السولار أو البنزين السامين للمعصرة، وهذا الدخان يبقى تأثيره مدة 5 أيام، فما بالك بدخول عدة سيارات في نفس اليوم، فلا يجوز لصاحب المعصرة إدخال السيارات إلى قلبها، وليس من حقه إتلاف مجهود المزارعين".
وهناك مفصل الغسالة، وهو مفصل هام جدا، ومن حق صاحب الزيتون فحص الماء في الغسالة بمد يده فيها وشم رائحتها، فمن غير المقبول غسل الزيتون في مياه قذرة،، فالزيتون هو من أكثر المواد الغذائية القابلة للاستنشاق.
ويتابع: "من الغسالة يخرج الزيتون عبر أدوات النقل للجاروشة، وهي الجزء الأكبر القاتل لزيت الزيتون، الجاروشة يجب التعامل معها بشكل يساوي قيمة زيتنا، عندما نطحن الزيت فيها ترتفع درجة الحرارة في الغربال عند الخروج من عين الغربال لـ60 درجة مئوية، وهي حرارة قادرة خلال أجزاء من الثانية على قتل الزيت، لذلك توجهنا لإضافة فتحات من المياه للتقليل من درجة الحرارة".
أما الخلاط، فالحرارة من البويلر للخلاط يجب أن لا تزيد عن 27 درجة مئوية كحد أعلى، وفي حال ارتفاعها يبقى الزيت في الجفت، ومن هنا يحدث الضياع للزيت في الجفت.
وعندما نصل للتوربين عن طريقة المضخات الحلزونية يكون ذلك عبارة عن ماكنة تقوم بفصل الجفت عن الزيبار ومن ثم عن الزيت، وهنا يتساءل جنيدي إن كانت قابلية المعصرة للعمل الصحيح جيدة أم فيها أخطاء؟ وهل هي مؤهلة للعمل بشكل صحيح، بالتالي يخرج الزيت مخلوطا بالزيبار، مشددا على عدم جواز تشغيلها بالطاقة القصوى وهي بطاقتها الدنيا، فهي بحاجة للتجديد.
أما المفصل الآخر فيتمثل في الرجّاج تحت التوربين، الذي يُخرج الزيت وحده والزيبار وحده عن طريق منخل- وذلك في وسط الموسم- وفي آخر الموسم يصبح هناك بودرة مع الزيتون، ويأتي صاحب المعصرة بخرطوم مياه يستخدمه ليسهل على نفسه العمل فيفسد العملية كلها بالماء.
ويوضح "زيتوننا هو أغنى زيتون العالم في مادة البولينول في الزيت، وكما يعشق الزيت الرائحة فإن هذه المادة تعشق الماء، فيخرج الزيت مع الماء، وهنا نكون قد قللنا من القيمة الغذائية للزيت، وهنا نقتل تميز زيتنا."
أما المفصل الآخر فهو الفرازة، حيث يذهب الزيت والزيبار للفرازة، ومن المفترض أن الزيبار الذي يخرج من الفرازة -لأن فيه زيت- يرجع للزيت حتى يخرج الزيبار مرة أخرى، والمفترض أيضاً من صاحب المعصرة شبك الخراطيم وإعادتها ليسّهل على نفسه العمل، وهذا غير صحيح.
ويشير جنيدي الى حدوث مشاكل في الفرازة أحيانا، وهناك من يقول أن الفرازة تعطي زيتاً أكثر، وما يحدث أن الزيت ليس أكثر انما يكون مخلوطاً بالزيبار، وعند وضعه في تنكة يفسد الزيت خلال أقل من 20 يوماً.
زيت زيتون فلسطيني للتصدير
أهمية تنظيم المعاصر
ويتفق جنيدي وفياض على أهمية أن يكون في المعصرة فني متواجد بشكل دائم في فترة عصر الزيتون، فغالبية أصحاب المعاصر تعمل على السليقة، كما يقول جنيدي، ومن هنا جاءت فكرة أن يكون هناك ثلاثة مهندسين، مهندس زراعة ومهندس كهرباء ومهندس ميكانيك.
"لدينا مصنع اسمه معصرة الزيتون يعادل في أهميته اكبر المصانع في فلسطين، يجب تعليم المهندسين العمل في هذه المعاصر، وقد بدأنا دورات بطيئة مع وزارة الزراعة للفحص ,والتأهيل ونحن مستمرون في جهودنا". يفيد الجنيدي
يقول فياض "في مجلس الزيتون نحاول عمل نقابة للمعاصر، كان هناك نقابة عام 2007 تم تأسيسها وتم عمل الاجراءات القانونية لها والانتخابات، وفازت في مجلس الإدارة، ولكن لم يصنعوا اي شيء ولم يعقدوا أي اجتماع."
وأشار إلى أن المجلس يعمل الان على تخيير هؤلاء بين أمرين، اما ان يتنحوا أو يصوّبوا وضعهم، والان بالتنسيق بين مجلس الزيتون ووزارة العمل ودعم من مؤسسة اوكسفام البريطانية يعمل المجلس على إحياء هذه النقابة لضبط سوق المعاصر أكثر من الوزارة او اي جهة أخرى، لأن النقابات بصورة عامة لها تأثير على الأعضاء.
ويشير جنيدي إلى بروز جهود حاليا لإعداد قانون ضمن لجنة المواصفات والمقاييس حول شروط للمعاصر، "لأنه لا يخلصنا أن نبقى تحت رحمة صاحب معصرة غير مدرك للوضع."
وفي القانون الذي يتحدث عنه جنيدي ستيم إجبار المعاصر على تشغيل مهندس في المعصرة، ومن لا يعجبه ذلك "فليغلق معصرته"، والمهندس سيعمل خلال شهرين فقط "مجمل فترة العصر"، ويمكنه أن يحدث نقلة نوعية، فلا يجوز ترك اهم قطاعات الانتاج الفلسطينية هكذا؟
معصرة حديثة
الزيبار مشكلة حتى الآن
وفي سياق الحديث حول مميزات المعاصر يذهب جنيدي لموضوع شديد الخطورة أيضا يعتبر مميزا لمعصرة عن غيرها، وهو ما تعانيه كافة المعاصر في فلسطين، ويقصد مشكلة الزيبار. وينوه: "كل معصرة عاملة إلها حفرة امتصاصية" وبكل أسف، يضيف أن الأحداث أثبتت وجود جهل مطبق، ففي كفر اللبن توفي ثلاثة أشخاص في نفس موقع الحفرة، نتيجة استنشاق الغاز الكثيف من الميثان الصادر عن الحفرة، والذي في أقل من ربع الثانية يمكنه أن يسبب الإغماء، وما حدث مع هؤلاء الرجال، أن كل واحد منهم حاول تفحص الزيبار فأغمي عليهم واحدا تلو الآخر، ووقعوا جميعا في الحفرة ولقوا حتفهم".
ويستشهد بحادثة آخر، ففي احدى المعاصر تسرب الغاز من المعصرة القريبة من المنزل، فأشعل أحدهم الولاّعة فاحترق المكان. وأعرب عن ألمه للمشاكل الكثيرة التي حدثت في موضوع الأمن والسلامة في المعاصر، "فكم من يد وكم من رجل تقطعت".
معصرة زيتون فلسطينية حديثة
أما الحل بنظر جنيدي وفياض على حد سواء فهو ضرورة توفر مهندس فني يمكن استشارته في كل معصرة، فهناك حاجة لتطوير نوعي لهذه المعاصر، ولكن دون علم لا يوجد تطوير.
|
معصرة زيتون حديثة |
|
معصرة زيتون فلسطينية |
|
مواطنون ينتظرون دورهم لعصر زيتونهم |